التحدث عن الآخرين

فهم الكلام عن الآخرين وأحكامه

قد يواجه المسلم أحيانًا موقفًا يتحدث فيه شخص ما عنه من وراء ظهره، وتختلف أحكام هذا الكلام باختلاف محتواه. فإذا كان الكلام يحمل مدحًا أو صفات محمودة يتمنى الشخص أن تُقال عنه، فإن هذا يُعتبر مباحًا وليس فيه إثم. أما إذا كان الحديث يتناول الشخص بشكل سلبي أو يتضمن انتقادات، فإن الحكم الشرعي يتغير اعتمادًا على نية المتحدث، وقد يُصنَّف هذا النوع من الكلام ضمن الغيبة والنميمة، وهما من الأمور المحرمة في الإسلام.

لذا، من المهم أن نحدد أولاً مفهوم الغيبة والنميمة بالشكل الآتي:

  • تعريف الغيبة:

عرفها العلماء بأنها حديث الشخص عن أخيه المسلم بما يكرهه في غيابه، سواء كان هذا الحديث مباشرة، أو بالإشارة، أو حتى باستخدام الرموز التي تفهم منها هوية الشخص المعني.

  • تعريف النميمة:

عرف العلماء النميمة بأنها نقل كلام أو حالة تتعلق بشخص ما إلى آخر بهدف إثارة الفتنة بينهما، سواء كان هذا النقل بموافقة الشخص المعني أو بدونه.

أحكام الحديث عن الآخرين

من المؤكد أن الغيبة والنميمة محرمات وفق إجماع العلماء، وقد وردت أدلة شرعية تؤكد هذا التحريم، مثلما جاء في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله تَوَّابٌ رَّحِيمٌ). وأيضًا في قوله تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ).

كما توجد أدلة تحذر من وصف الناس بالسوء وتبين العقوبات الشديدة المترتبة على ذلك. ومن بين هذه الأدلة، ما ورد في الحديث الشريف: (مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بقبرينِ فقال إنهما يُعذَّبانِ وما يُعذَّبانِ في كبيرٍ وبكى، وقال وما يُعذَّبانِ إلا في الغيبةِ والبولِ).

متى يكون الحديث عن الآخرين مباحًا؟

حدد العلماء أن للكلام عن الآخرين عدة أقسام، ولكل قسم حكم مختلف. كما أشرنا سابقًا، فإن ذكر المسلم لأخيه بالسوء بدون سبب مُبرر أو لأغراض الاستهزاء هو أمر محرم بلا شك. من ناحية أخرى، الحديث الذي يهدف إلى دفع الشر، مثل استشارة شخص حول مسألة زواج، أو التحذير من خطر يُحتمل أن يتعرض له الآخرون، قد يُعتبر واجبًا، لأنه يتعلق بمصالح مهمة.

هناك أيضًا أنواع من الكلام عن الآخرين التي تُعتبر مباحة، ويمكن تلخيصها فيما يلي:

  • التظلم: يُسمح للمسلم المظلوم بأن يُقدم شكواه إلى السلطان أو القاضي، موضحًا تفاصيل الظلم الواقع عليه.
  • الاستعانة على تغيير المنكر: في حال انحراف شخص عن الطريق الصحيح، يُمكن التنبيه بشأنه والتحدث عنه أمام المعنيين لإصلاحه.
  • الاستفتاء: عندما يذكر الشخص ما يتعلق بطلبه للفتوى، مثل قوله: “ظلمني أخي …” لتقديم قضية معينة للمفتي.
  • تحذير الناس: يتمثل في نصح الآخرين بالابتعاد عن شخص قد يُسبب لهم الأذى، كما يفعل بعض علماء الحديث بالطعن في رواية الأشخاص الكاذبة.
  • التحذير من الفسق: يتضمن ذلك التحذير من شخص يجاهر بمعاصيه، مثل شرب الخمر أو النصب، لضمان عدم التعامل معه.
Scroll to Top