فهم الاختلافات بين تبني الأطفال ورعاية الأيتام

التبني ورعاية الأيتام: الفروقات الأساسية

تتباين مفاهيم التبني وكفالة اليتيم من عدة جوانب؛ إذ يتطلب كل منهما فهماً مختلفاً وفقًا للتعاليم الشرعية. لهذا، سنسلط الضوء في هذا المقال على تعريفاتهما، أحكامهما، والآثار المترتبة على كلٍ منهما.

رعاية اليتيم

اليتيم هو الطفل الذي فقد والده قبل بلوغه سن الرشد. وقد أوصى الله -تعالى- بأهمية العناية باليتامى والإحسان إليهم، كما ورد في عدة آيات من القرآن الكريم، مثل قوله: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ) و(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ). إن العناية باليتيم تسهم في تخفيف قسوة القلب وزيادة الرحمة في النفوس، كما ذكر أبو هريرة -رضي الله عنه- عندما قال: (أطعِمِ المِسكينَ وامسَحْ رأسَ اليتيم).

إن ديننا الحنيف يشدد على ضرورة الاهتمام باليتيم من خلال تلبية احتياجاته المادية والمعنوية، مما يعزز اندماجه الفعال في المجتمع. فقد ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (مَن تَرَكَ مالًا فَلِوَرَثَتِهِ، ومَن تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنا). إذا لم يُعتنَ باليتيم ولم يحصل على المحبة والرعاية، قد يواجه صعوبات في التكيف مع الآخرين، مما ينعكس سلبًا على سلوكه ويؤثر على مجتمعه. ومن يسعى لرعاية اليتيم يحظى بأجر عظيم من الله -تعالى-.

التبني

التبني يعني أخذ شخص لطفل غريب كابن له، مع نَسب اسم الطفل إليه، مما يمنحه الحق في الميراث كما لو كان من صلبه. وفي السابق، كان يشار إلى التبني بعبارة “ادّعى فلاناً”. ومع ذلك، فقد رفضت الإسلام فكرة التبني بشدة، حيث قال الله -تعالى-: (وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ). الفارق بين التبني وكفالة اليتيم واضح؛ فالتبني يُعتبر تحريفًا لما أباحه الله -تعالى- وهرطقة على حقوق الأنساب. كما يمكن للتبني أن يؤدي إلى مشاعر الخصومة بين المتبنى وأبناء المتبني، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- قد حذر من التبني بسبب العقوبات المرتبطة به، فقال: (ليسَ مِن رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أبِيهِ… إلا كَفَرَ).

أمّا كفالة اليتيم، فقد اعتبرها الإسلام من الأعمال المحمودة، وأكد على ضرورة معاملته بشكل رحيم دون أن يُعتبر ابناً أو يُدخل كفالتُه في عائلة ليست له. ويمتاز كافل اليتيم بأجر كبير في الدنيا والآخرة. ولقد قام النبي -عليه الصلاة والسلام- بتبني زيد بن حارثة قبل بعثته، وعندما جاء والده للبحث عنه، وجد زيداً مع النبي فاختار البقاء معه، لكن عندما أُمر النبي بتصحيح هذه العادة، جاء الوحي بإبطالها.

أحكام التبني

عندما بعث الله -تعالى- النبي محمد، كانت العديد من العادات الجاهلية قد أبطلت، ومن بينها التبني. فقد نُزلت آيات تؤكد عدم جواز نسب أي طفل إلى غير والده البيولوجي. يجب علينا تفهم أنه لا يجوز تبني أي طفل، حتى لو كانت النية حسنة، ولكن يجوز كفالته ورعايته. وهناك دلائل من السنة النبوية تدل على تحريم التبني، حيث قال النبي: (مَنِ ادَّعَى إلى غيرِ أبِيهِ، والجنةُ عليه حَرَامٌ).

إن تحريم التبني له حكمة إلهية، تخدم مصلحة البشرية، حيث قد يحدث من خلاله تجاوزات شرعية، مثل إدخال المتبنى في الميراث أو تعريض النساء لأماكن غير آمنة. وحتى الفتيات المتبنيات قد يتعرضن لانتهاك خصوصيتهن.

فضل كفالة الأيتام

تُعَدُّ كفالة اليتيم سببًا رئيسيًا في دخول الجنة، وهو الهدف الأسمى الذي يسعى إليه المسلمون. وقد بشّر النبي -صلى الله عليه وسلم- كافل اليتيم بمكانة عالية في الجنة، حيث قال: (كافِلُ اليَتيمِ له أوْ لِغَيْرِهِ، أنا وهو كَهاتَيْنِ في الجَنَّةِ)، وأشار بسبابته والوسطى. كما يحصل كافل اليتيم على أجر عظيم يعادل أجر المجاهد في سبيل الله.

تبرز قيمة الإحسان لليتيم في سلوك الأنبياء والناس الصالحين، حيث حفظ النبي موسى -عليه السلام- حقوق الأيتام، كما أشاد النبي ببيوت تُحسن لليتيم وتعتبرها خير البيوت. وفي المقابل، تُعد البيوت التي يُساء فيها لليتيم من أسوأ البيوت. وقد قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (خيرُ بيتٍ في المسلمينَ بيتٌ فيهِ يتيمٌ يُحسَنُ إليهِ وشرُّ بيتٍ في المسلمينَ بيتٌ فيهِ يتيمٌ يُساءُ إليهِ).

Scroll to Top