المدارس النقدية في العصر الحديث
المدرسة البنيوية
تشير البنية إلى مجموعة العناصر التي ترتبط بعلاقات مشتركة لتكوين نظام متكامل له قوانينه الخاصة. تتميز هذه العناصر بالتحول الديناميكي بعيدًا عن أي تأثيرات خارجية. لذا، تعرف البنيوية بأنها منهج وصفي يعتبر العمل الأدبي نصًا مغلقًا، يتميز بنظام داخلي يمنحه وحدته، ويعتمد على الشبكة من العلاقات التي تنشأ بين كلمات النص.
استندت البنيوية إلى مجموعة من المبادئ الأساسية، ومنها:
- التركيز على البنية الداخلية للنص ودراسة اللغة كنظام مغلق ومكتفٍ بذاته.
- رفض أي تأثيرات تأتي من خارج النص.
- ظهور نظرية موت المؤلف التي تنفي التركيز على المؤلف كمنتج رئيسي للنص، وتستبعد وجود صوت المؤلف داخل النص.
المدرسة التفكيكية
نشأت المدرسة التفكيكية كحركة نقدية تعارض البنيوية، حيث رفضت النظام الداخلي الثابت للنص ودعت إلى فك الارتباط بين الأجزاء المختلفة لتمكين إعادة تكوينها واكتشاف المعاني الجديدة المدفونة في طبقات النص. تبدأ التفكيكية من بنيته وتفككها، كونها غير تفسر شيئًا.
تتعلق التفكيكية بقراءة النصوص وتأملها لاستكشاف كيفية إنتاج المعاني، وتركز على استجواب النص بدلاً من الخضوع لقراءات أحادية المرجعية تهدف إلى منح النص معنى واحدًا. تتيح التفكيكية للمتلقين تفكيك النص بناءً على المرجعيات التي أسس عليها، مما يمكنهم من قراءته عبر تلك الزوايا وإغفال النسق الذي يقوم عليه النص.
تقوم التفكيكية على مجموعة من الأسس، منها:
- الاختلاف: فالنص مفتوح على عدد لا نهائي من الاحتمالات، وتعتبر اللغة بنية قائمة على الاختلافات، خاصة بين الدال والمدلول.
- التناص: إذ لا يوجد نص أول؛ بل النص هو تجسيد مجموعة من النصوص السابقة أو فضاء لنصوص متعددة. وتعتبر كل كتابة بمثابة شطب للكتابة السابقة، مما يؤدي إلى دلالات لا نهائية.
- تهديم مبدأ التمركز حول العقل: حيث يؤدي تحطيم هذه المركزية إلى تآكل الدلالة المركزية للنص، مما يفتح الخطاب نحو المستقبل دون قيود، مما يعني انبثاق دلالات محتمَلة.
- علم الكتابة: أي إعادة النظر في دور الكتابة ومنحها حرية التعبير ككيان مستقل يسبق اللغة، وبالتالي يبقى النص منتجًا مستمرًا ويمكن ابتكاره حتى بعد موت كاتبه.
- القراءة: تمنح التفكيكية السلطة العليا للقارئ، بدلاً من المبدع أو الكاتب، مشددة على تنوع المعاني ورفض الأحادية.
المدرسة السيميائية
ترتبط السيميائية بالعالم اللغوي فرديناند دي سوسير، الذي يعتبر علم اللغة جزءًا من علم العلامات أو السيميائية. وفقًا لسوسير، تُعد اللغة نظامًا إشاريًا يعبر عن الأفكار، وتعتبر علامات قد تكون لغوية أو غير لغوية، مثل الإشارات العسكرية أو إشارات الصم والبكم.
رفضت المدرسة السيميائية القراءة المغلقة للنص التي اقترحتها المدرسة البنيوية، وتبنت أساليب قراءة منفتحة. كما رفضت فكرة الربط الثابت بين الدال والمدلول، مما يجعل الكلمة إشارة حرة، حيث يكون المدلول غائباً ومعتمدًا على تفكير المتلقي. تسعى المدرسة لتحفيز الخيال لدى القارئ دون التخلي عن القراءات السابقة، بل محاولة استيعابها.
تعمل السيميائية كعلم الإشارة والدلالة على كشف الأبعاد النفسية والاجتماعية والتاريخية والجمالية والدلالية للنص، بدءًا من إدراك كل شيء كعلامة، حيث يُعتبر الكون علامة، وكل ما فيه لا يخرج عن كونه علامات ترتبط ببعضها.
المدرسة النفسية
تعمل هذه المدرسة على توظيف علم النفس في تحليل النص الأدبي، حيث تقدم النظريات النفسية تفسيرات للظواهر الأدبية وتكشف عن أسبابها ودوافعها الخفية. كما تساهم هذه النظريات في تحليل شخصية الفنان وعمق تأثرها بالعائلة والمجتمع.
استمدت المدرسة النفسية جذورها من مدرسة التحليل النفسي التي أسسها فرويد، الذي يُعتبر رائدًا في تطبيق التفسير النفسي على الأدب. اهتم فرويد بدراسة الحالات النفسية وتأثيراتها على الأدب، مُعتبرًا الفنان شخصًا يعاني من الاضطراب النفسي أثناء مرحلة الإبداع، بينما يعود لطبيعته بعد الانتهاء.
حظيت المدرسة النفسية بدعم عدد من النقاد الذين رأوا فيها وسيلة فعالة لفهم أعماق العمل الأدبي، وكشف جوانبه الخفية، مما يجعل النص أغنى. بينما عارضها آخرون، معتبرين أن الأدب يجب أن يتم تحليله من خلال عناصره الداخلية فقط.
المدرسة الأسلوبية
تركز الأسلوبية على مفهوم الأسلوب كوسيلة لتفريق وتمييز الأفكار بطريقة مؤثرة في المتلقي. تهدف الأسلوبية إلى البحث عن الخصائص المميزة للكلام الفني مقارنة بالكلام العادي، وترفض الفكرة القائلة بوجود معنى واحد وتؤكد على تعدد الدلالات.
تتضمن الأسلوبية عدة اتجاهات، مثل:
- الأسلوبية الوصفية أو التعبيرية: والتي أسسها شارل بالي، الذي أبرز أهمية الدراسة الأسلوبية للصيغ الفنية مع الحرص على القيم التعبيرية، مؤكدًا أن اللغة ليست مجرد وعاء للكلمات، بل تعبيرًا عن المشاعر والانفعالات.
- الأسلوبية التكوينية: والتي أسسها ليو سبيتز، الذي درس العلاقة بين التعبير والمتكلم، مركزًا على الأبعاد النفسية وظروف الكتابة.
- الأسلوبية البنيوية: بزعامة ميشال ريفاتير، الذي تأثر بالبنيوية، حيث درس العلاقات المتداخلة بين عناصر النص.
- الأسلوبية الوظيفية: والتي أسسها جاكبسون، الذي انطلق من الوظيفة الشعرية للغة، مع التركيز على الوظائف التواصلية المختلفة.