تفسير: ما حصلتم عليه من العلم هو قليل فقط

نستعرض اليوم تحليلًا شاملًا لآية “وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً”، مستندين إلى آراء بعض المفسرين البارزين، وفي مقدمتهم الطبري. كما سنتناول الدلالات المتعددة التي يمكن أن يستفيد منها المسلم من خلال التأمل في الحكم المستنبطة من هذه الآية.

بالإضافة إلى ذلك، سنستعرض المعاني الدقيقة لكل مفردة في الآية وإعرابها.

تفسير: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً

ترد هذه العبارة في الآية رقم 85 من سورة الإسراء، وفيما يلي نوضح تفسير الآية استنادًا إلى الروايات التي تتعلق بسبب نزولها:

  • قال الله: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا”.
    • تتناول الآية سجل حوار بين بعض الأشخاص من اليهود الذين عارضوا النبي.
    • وتواصوا فيما بينهم بطرح سؤال على الرسول حول طبيعة الروح.
  • إلا أن النبي لم يُجِبهم في تلك اللحظة، حيث كان ينتظر الوحي ليقدم له الرد الملائم حول مفهوم الروح.
    • وجاءت الآية كاستجابة لاستفسار اليهود.
    • واختتمت ببيان أن ما لديهم من علم هو ضئيل جدًا مقارنةً بعلم الله الحقيقي.
  • تباينت وجهات نظر المفسرين حول ما تعنيه كلمة “الروح” في هذه الآية.
    • بعضهم اعتبر أن المقصود بها هو جبريل، بينما اعتقد آخرون أنها ترمز إلى القرآن.
    • في حين ذهب علي بن أبي طالب ليقول إن الروح تشير إلى أحد الملائكة الذي يحمل 70,000 وجه.
  • وقالت مجموعة أخرى إن المقصود بالروح هو حياة الإنسان وكيف تسري روحه في جسده.
  • كما اختلفت الآراء حول المستهدف في عبارة “وما أوتيتم”.
    • قال بعض المفسرين إن المخاطَب هنا هم السائلون من قريش.
    • بينما قال البعض الآخر إن المخاطب هم جميع اليهود.
  • رأى غالبية المفسرين أن المخاطب هنا هو جميع الناس.
    • استنادًا إلى أن المعرفة التي يمتلكها الناس هي قليلة مقارنة مع علم الله.
  • تشير الآية إلى أن الله فضل إبهام تفاصيل الروح، وأمر النبي أن يصرح بأنها من أمر الله.
    • لا يملك أي إنسان معرفة حقيقتها، وأن العلم المتاح للبشر هو مجرد جزء قليل مما يسره الله لهم.

تفسير الطبري

نستعرض في ما يلي تفسير الطبري حول عبارة “وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً”، الذي يتميز بأسلوبه الواضح في شرح الآيات:

  • يؤكد الطبري أن الله أوصى النبي في هذه الآية بأن يجيب على أسئلة أهل الكتاب بشأن حقيقة الروح.
    • بأنها من أمر الله، وأن ما لديهم من معرفة هو محدود.
  • ويستند في تفسيره إلى رواية أبو هشام، حيث قال إن عبد الله كان مع النبي في المدينة.
    • وعندما مرّ مجموعة من أهل الكتاب وسألوا النبي عن الروح.
    • رفض البعض أن يسألوه، وحينما نزل الوحي بالرد، أبلغهم النبي بما ذكر في الآية.
  • عند رد النبي، قام بعض أهل الكتاب بتوبيخ الآخرين بقولهم ألم نقل لكم لا تسألوه.
    • لأن الإجابة حول الروح كانت غير واضحة، واحتفظ الله بمعلوماتها لنفسه ولم يكشف عنها في آيات القرآن.
  • وقد اعترض أهل الكتاب على قول إن معرفتهم محدودة.
    • باعتبار أنهم يعرفون الكثير عن التوراة ويتسمون بالحكمة.
    • ولكن نزلت آيات أخرى لتؤكد أن معرفتهم ما هي إلا جزء ضئيل مقارنة بعلم الله.

تفسير الآية 85 من سورة الإسراء: “ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي”، يتباين بحسب المفسرين، وفيما يلي توضيح لتفسير كلٍ منهم:

التفسير الميسر

يسأل الكفار عن حقيقة الروح، فأجبهم بأن معرفة الروح وأحوالها من علم الله وحده، وما أُعطيتم من العلم إلا شيئًا ضئيلاً.

المختصر في التفسير

أجابهم النبي بأن الحقيقة عن الروح لا يعلمها إلا الله، وأن ما تملكونه من علم أنتم وكل المخلوقات هو ضئيل مقارنةً بعلم الله.

تفسير الجلالين

استجابت النبي حين سأله اليهود عن الروح، أنه بيّن لهم أن علم الروح يأتي من الله، وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا مقارنةً بعلم الله.

تفسير السعدي

كان سؤال الكفار حول الروح مجرد تعنت، فأمر الله النبي بأن يوضح لهم أن الروح من أمر الله، ومعرفتُها خاص لله، وما أعطيتم من العلم إلا قليلًا بالنسبة لما يعلمه الله.

تفسير البغوي

سأل اليهود النبي حول الروح، فأوضح لهم أن الروح من أمر الله وأن علمها من الأمور التي اختص الله بمعرفتها، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً مقارنةً بعلم الله. واختلف بشأن تفسير “الروح”، إلا أن الرأي الأصح يبقى أن علم الروح مختص بعلم الله وحده.

التفسير الوسيط

توضح الآية أن اليهود سألوا عن الروح كنوع من التحدي، فأجاب النبي بأن الروح من علم الله فقط، وأن علمهم لا يتجاوز القليل مقارنة بعلم الله. وقد تتعدد مفاهيم الروح في القرآن لتشمل الوحي، القوة، وجبريل.

تفسير ابن كثير

بينما اكتشفت قريش النبي بناءً على طلب اليهود، جاءت الآية لتشدد على أن علم الروح عائد إلى الله فقط، وما أوتي الناس من العلم هو قليل. يشير التفسير إلى أن الروح قد تكون جبريل، عيسى، أو القرآن، لكن الأرجح أنها من علم الله وحده.

تفسير القرطبي

اُعتُبِر أن سؤال اليهود عن الروح كان تعنتًا، فأمر الله النبي بأن يوضح أن علم الروح من علم الله. وتباينت التفسيرات حول “الروح”، فمنهم من اعتبرها جبريل وآخرون عيسى أو القرآن، ولكن الأرجح أنها تبقى من علم الله وحده.

معاني الكلمات في “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”

يمكن فهم تفسير “وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً” بشكل أفضل من خلال معرفة معاني كلماتها، وفيما يلي نستعرض معاني كل لفظ:

أوتيتم

  • لفظ “أوتيتم” يأتي من الفعل “أتى”، ويشير إلى معنى “أُعطيتم”، بمعنى ما تم إعطاؤه لكم.

العلم

  • لفظ “العلم” يأتي من جذر “عَلِمَ”، ويُجمع على “علوم”، ويشير إلى معنى إدراك حقيقة شيء ما.
    • ويطلق مصطلح العلم الشرعي على مجالات مثل الفقه، التفسير، الحديث وغيرها.
  • أيضًا، يشير “العلم” إلى المعرفة التي يُلهمها الله للبشر.
    • ويُعتبر العلم الحقيقي هو مجموعة المعلومات والثوابت التي لا تتغير وفقًا لأفكار أو أيديولوجيات.

قليلًا

  • لفظ “قليلًا” يأتي من الكلمة ذات المعاني المتعددة مثل “قليلون”، أو “قلائل” أو “أقلاء”، والكلمة المضادة لها هي “كثير”.
    • وتشير إلى معنى الكمية الضئيلة أو العدد القليل.

تدبر: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا

التأمل في معاني وتفسيرات “وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً” يحث الإنسان على فهم العديد من الأمور المتعلقة بالإسلام والنعم التي يقدمها الله له، وفيما يلي نستخلص بعض الدروس من الآية:

  • تظهر الآية أن الله لم يمنح البشر سوى كمية ضئيلة من العلم مقارنة بعلمه الواسع.
  • تتأكد هذه الحقيقة من خلال الاكتشافات الحديثة التي تُظهر أن الكون يحوي أمورًا لا يعرف البشر عنها شيئًا.
  • تشمل الآية جميع أنواع العلوم، سواء كانت شرعية أو كونية.
    • وتشير إلى أن كل إنسان يعتبر عالِمًا في مجاله، لكن العليم الحقيقي هو الله.
  • وبالتالي، تشير إلى سعة علم الله، إذ كان النبي يجيب على تساؤلات أصحابه.
    • وأيضًا أسئلة المشركين بعد ما يُوحي إليه بالرد المناسب في القرآن.
    • فالله هو العليم الذي يمنح البشر القليل من المعرفة.
  • تنبه إلى أن الإنسان بطبعه يُولد جاهلًا، ويكتسب المعرفة من خلال سعيه للتعلم والدراسة.
    • وأن الله وحده هو المسهل له أسباب العلم والمعلومات.
    • ويتفضل عليه بالأدوات التي تعينه على التعلم.
  • لذا، فلا يحق للإنسان الذي يحقق مكانة علمية مرموقة أن يتكبر.
    • يجب أن يتحلى بالتواضع لأن ما لديه من علم هو جزء بسيط من علم الله الكلي.
    • كما ينبغي للإنسان ألا يعترض على النصوص الشرعية أو الأوامر والنواهي الإلهية.
    • لأن الله هو العليم الذي يدرك ما فيه مصلحة الإنسان.
    • وفي النهاية، هذه الأوامر والنواهي تصب في مصلحة البشر.

إعراب: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا

فهم إعراب الكلمات في الآية يقوم بدور حيوي في تفسير “وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً”، ويساعد المسلمين على النطق الصحيح للألفاظ، فالمطلوب منهم قراءة الآيات بتجويد:

  • أما “وما”، فتعتبر واو العطف حرف استئناف لا محل له من الإعراب.
    • والكلمة “ما” تعتبر من أدوات النفي التي تفيد إنكار وجود الشيء.
  • عبارة “أوتيتم” تتكون من جزئين: “أوتي” وهو فعل ماضٍ مبني للمجهول.
    • بينما “تم” هو ضمير متصل مبني على الرفع ويعمل كونه نائب فاعل.
  • كلمة “من العلم” تتكون من “من” وهي حرف جر، و”العلم” كلمات مجرورة بالكسرة.
  • كلمة “إلا” تعبر عن الحصر، بينما “قليلًا” تعرب كمفعول به، وعلامة النصب هي الفتحة.

وقفات مع القاعدة القرآنية: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا

القاعدة القرآنية “وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” (سورة الإسراء، الآية 85)، تعرض زوايا متعددة من الحكمة والتواضع في التعلم وطلب المعرفة. إليكم بعض الوقفات المهمة مع هذه القاعدة:

1. تأكيد محدودية المعرفة البشرية

  • توضح الآية أن معرفة الإنسان محدودة: مهما بلغ الإنسان من علم، تبقى معرفته قاصرة مقارنة بعلم الله. هذه الحقيقة تعزز من تواضع الإنسان وتُذكره بأن علمه ليس تامًا.
  • ضرورة الاستمرار في التعلم: توجهنا تلك الآية نحو الحاجة لبذل الجهد لزيادة المعرفة، مع الإقرار بأن هناك دائمًا ما هو أعمق وأكثر اتساعًا.

2. أهمية التواضع في طلب العلم

  • عدم الغرور: تذكير للعلماء والباحثين بأهمية عدم التفاخر بما وصلوا إليه، إذ أن علمهم ما هو إلا جزء ضئيل من بحر المعرفة.
  • استشعار المسؤولية: يشجع التواضع على الحرص في نشر العلم واستخدامه بشكل إيجابي.

3. تقدير علم الله اللامحدود

  • عظمة علم الله: يمتلك الله علمًا مطلقًا، يعرف كل شيئ في الكون، بينما علم الإنسان محدود.
  • الرجوع إلى الله: خلال السعي للعلم، يجب التوجه إلى الله بالدعاء للهدى والفهم.

4. تحفيز البحث والتفكر

  • تشجيع الاستقصاء: دعوة للبحث والتفكر في كل ما هو جديد ومفيد، مع إدراك أن هناك دائمًا أبعاد غير مكتشفة أو غير مفهومة تمامًا.
  • استمرارية البحث: ضرورة متابعة البحث والاستقصاء لتوسيع حدود المعرفة البشرية.

5. تقدير العلم القليل وعدم الاستهانة به

  • كل علم له قيمة: حتى العلم الذي يبدو قليلًا يمكن أن يكون له تأثير عميق. كل اكتشاف أو معرفة، مهما كانت بسيطة، ستلعب دورًا في تطوير الفهم والإصلاح.
  • الاهتمام بالتفاصيل: يجب أن يكون اهتمامنا بالعلم القليل جادًا، لأن كل جزء من المعرفة يمكن أن يؤدي إلى تغييرات كبيرة.

6. التواضع في الدعاء والتوجه إلى الله

  • الدعاء للعلم: ينبغي للإنسان أن يدعو الله ليزيده علمًا ويهبه فهمًا. يتجلى ذلك في الأدعية مثل: “رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا” (سورة طه، الآية 114).
  • الاعتراف بالعجز: الاعتراف بقدرة الله اللامحدودة يعزز الإيمان والجدية في السعي للعلم.

أسئلة شائعة حول تفسير الآية

Scroll to Top