تراكم السوائل في الرئة
تعتبر حالة تراكم السوائل في الرئة، أو الماء على الرئة، من الاضطرابات التنفسية التي تشمل نوعين رئيسيين؛ وهما الاستسقاء الرئوي (بالإنجليزية: Pleural Edema) والانصباب الجنبي (بالإنجليزية: Pleural Effusion). يشير الاستسقاء الرئوي المعروف أيضًا بالوذمة الرئوية، إلى الحالة التي تتجمع فيها السوائل في الحويصلات الهوائية (بالإنجليزية: Alveoli) داخل الرئة، مما يجعل التنفس صعبًا على المصاب. تكمن خطورة هذه الحالة في نقص مستوى الأكسجين في الجسم، مما يمكن أن يهدد الحياة. يُعتبر استسقاء الرئة من العلامات الشائعة والمهمة المصاحبة لفشل القلب الحاد (بالإنجليزية: Acute Heart Failure). وقد أظهرت الدراسات السريرية، بما في ذلك دراسة نشرت في مجلة “European Journal of Heart Failure” عام 2015، أن معدل انتشاره مع انخفاض جزء القلب المقذوف (بالإنجليزية: Heart Failure and Reduced Ejection Fraction) يتراوح بين 75-83%. أيضاً، يُؤثر على ما نسبته 51-100% من حالات فشل القلب، سواء مع انخفاض جزء المقذوف أو الحفاظ عليه (بالإنجليزية: Heart Failure with Preserved Ejection Fraction).
على النقيض من الاستسقاء الرئوي، يتجمع السائل في حالة الانصباب الجنبي، والذي يعرف أيضًا بالارتشاح البلوري. يحيط الغشاء الجنبي (بالإنجليزية: Pleura) بالرئة ويغلف السطح الداخلي لجدار الصدر، ويحتوي عادةً على كمية ضئيلة من السائل الذي يعمل كزيت لتسهيل حركة الرئتين وجدار الصدر أثناء التنفس. ومع ذلك، فإن زيادة كمية السائل عن الحد الطبيعي يؤدي إلى الانصباب الجنبي. يمكن تقسيم الانصباب الجنبي إلى نوعين رئيسيين:
- الرشحي: (بالإنجليزية: Transudative)، حيث يكون السائل المُرتشح مشابهاً في المحتوى للسائل الطبيعي في الغشاء الجنبي، ويحدث نتيجة تسرّب السوائل إلى داخل الغشاء في حالته الطبيعية. يُصرف هذا النوع فقط إذا كان بحجم كبير.
- النضحي: (بالإنجليزية: Exudative)، يختلف تركيبة السائل في هذا النوع عن السائل الموجود بصورة طبيعية في الغشاء الجنبي، حيث يحتوي على مكونات إضافية تتسرب من الأوعية الدموية التالفة، مثل البروتين أو الدم أو خلايا التهابية أو بكتيريا. يعتمد قرار تصريف هذا النوع على حجم الالتهاب وكثافة السوائل المتجمعة.
وفقًا لإحصاءات نشرت في مجلة “Egyptian Journal of Bronchology” عام 2018، فقد أظهرت دراسة على عدد من المرضى أن حالة الانصباب الجنبي تؤثر على مرضى العناية المركزة بنسبة تصل إلى حوالي 12.7%، حيث كانت النسبة 77.7% من النوع النضحي و22.3% من النوع الرشحي.
أسباب تراكم السوائل في الرئة
استسقاء الرئة
يمكن تلخيص أسباب استسقاء الرئة فيما يلي:
- قصور القلب الاحتقاني (بالإنجليزية: Congestive Heart Failure)، والذي غالبًا ما يكون السبب وراء استسقاء الرئة، حيث يعجز القلب عن ضخ الدم بطريقة فعالة مما يؤدي إلى تراكم الدم في الأوردة التي تحمل الدم عبر الرئتين، مما يسبب ضغطًا أكبر في هذه الأوردة، وتسرب السائل إلى الحويصلات الهوائية. تشمل أسباب قصور القلب الاحتقاني:
- أمراض القلب التي تؤثر على عضلة القلب أو تتسبب في تصلّبها، مثل النوبة القلبية (بالإنجليزية: Heart Attack) أو اعتلال عضلة القلب (بالإنجليزية: Cardiomyopathy).
- توسع أو تضيق أحد صمامات القلب، مثل الصمام الأبهر (بالإنجليزية: Aorta) أو الصمام ثنائي الشرفات (بالإنجليزية: Mitral).
- ارتفاع ضغط الدم المفاجئ والشديد.
- الفشل الكلوي أو تضيق الشرايين المغذية للكلى.
- استخدام بعض الأنواع المحددة من الأدوية.
- تلف الرئة الناجم عن التسمم بالغازات أو العدوى الحادة.
- التواجد على ارتفاعات عالية.
- الإصابات الجسدية الكبيرة.
الانصباب الجنبي
عادة ما يكون الانصباب الجنبي حالة ثانوية تنجم عن حالات أخرى، وهناك عدة عوامل وحالات صحية يمكن أن تزيد من إنتاج الغشاء الجنبي للسائل، نذكر منها:
- أمراض المناعة الذاتية (بالإنجليزية: Autoimmune Diseases)، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي (بالإنجليزية: Rheumatoid Arthritis) وداء الذئبة (بالإنجليزية: Lupus).
- أمراض الكبد أو الكلى التي تؤدي إلى تراكم السوائل في الجسم مثل تشمّع الكبد (بالإنجليزية: Cirrhosis).
- عدوى الجهاز التنفسي مثل السل (بالإنجليزية: Tuberculosis) أو الالتهاب الرئوي (بالإنجليزية: Pneumonia).
- الانصمام الرئوي (بالإنجليزية: Pulmonary Embolism) والذي يشير إلى وجود خثرات دموية تسد الشرايين المغذية للرئة، مما قد يؤدي إلى زيادة إنتاج السوائل في الغشاء الجنبي.
- فشل القلب الاحتقاني، كما سبق ذكره، مما يسبب تراكم السوائل في الصدر.
- السرطانات، خصوصًا سرطان الرئة، على الرغم من أن بعض أنواع السرطانات الأخرى قد تمتد إلى الرئة أو الغشاء الجنبي.
- أسباب أخرى، إذ قد يحدث الانصباب الجنبي كأحد مضاعفات العمليات الجراحية التي تشمل منطقة الصدر؛ مثل عملية القلب المفتوح، والتي تمثل السبب الأكثر شيوعاً.
لمزيد من المعلومات حول أسباب تراكم السوائل في الرئة، يمكن الاطلاع على المقال التالي: (ما أسباب تجمع الماء على الرئة).
أعراض تراكم السوائل في الرئة
استسقاء الرئة
تشمل الأعراض المرتبطة باستسقاء الرئة ما يلي:
- ضيق التنفس الاضطجاعي (بالإنجليزية: Orthopnea)؛ حيث يجد المصاب صعوبة في التنفس أثناء الاستلقاء.
- خرج زبد مصحوب بالدم، أو سعال مصحوب بخروج دم.
- الأزيز (بالإنجليزية: Wheezing) أو الغرغرة أو الشخير أثناء التنفس.
- انتفاخ الساقين أو منطقة البطن.
- صعوبة في إتمام الحديث بسبب ضيق التنفس.
- شحوب في لون الجلد.
- فرط التعرق.
- صعوبات في النوم أو قلق (بالإنجليزية: Anxiety).
- ضيق التنفس الليلي الانتيابي (بالإنجليزية: Paroxysmal Nocturnal Dyspnea)، حيث يستيقظ المصاب بعد ساعة أو ساعتين من النوم مع صعوبة في التقاط الأنفاس.
- تدنّي مستوى اليقظة والاتصال بالعالم الخارجي.
- صعوبة في النطق بجمل كاملة بسبب ضيق التنفس.
الانصباب الجنبي
في الغالب، لا تظهر أعراض محددة للانصباب الجنبي لدى معظم المصابين به، ويمكن اكتشافه مصادفةً أثناء إجراء تصوير الصدر بالأشعة السينية لأسباب أخرى غير متعلقة بالانصباب. قد يعاني المصاب من أعراض غير مرتبطة بشكل مباشر بالانصباب ولكن مرتبطة بالحالة المسببة. أما الأعراض الخاصة بالانصباب الجنبي، فهي تشمل:
- ضيق التنفس.
- ألم في الصدر.
- ضيق التنفس الاضطجاعي، بحيث لا يستطيع المصاب التنفس إلا عند الجلوس أو الوقوف.
- سعال جاف.
للحصول على معلومات إضافية حول أعراض تراكم السوائل في الرئة، يمكن الاطلاع على المقال التالي: (ما هي أعراض المياه على الرئة).
تشخيص تراكم السوائل في الرئة
استسقاء الرئة
يتم تشخيص استسقاء الرئة بشكل مبدئي بناءً على الأعراض والفحص السريري، بالإضافة إلى استخدام تصوير الصدر بالأشعة السينية وتخطيط القلب الكهربائي، حيث أن الحالة تتطلب علاجًا عاجلاً. بعد استقرار الحالة، يجمع الطبيب معلومات حول التاريخ الطبي للمصاب، خاصة إذا كانت لديه سابقة مع أمراض القلب أو الأوعية الدموية أو أمراض الرئة. قد تُجرى عدة فحوصات أخرى لتحديد سبب أو تشخيص استسقاء الرئة، ومنها:
- تصوير الصدر بالأشعة السينية: يُعتبر الخيار الأول لتأكيد الإصابة باستسقاء الرئة واستبعاد أي أسباب أخرى لضيق التنفس.
- قياس التأكسج النبضي: يقيس نسبة تشبع الدم بالأكسجين من خلال جهاز استشعار يثبت على إصبع المريض أو أذنه.
- فحص الدم: يُسحب عينة دم من المريض لاعتماد عدة غايات، مثل قياس نسبة الغازات (الأكسجين وثاني أكسيد الكربون) في الدم الشرياني، تحليل مستوى الببتيد الأذيني المدِر للصوديوم من النوع “ب” (بالإنجليزية: B-type Natriuretic Peptide) الذي يشير إلى مشاكل قلبية إذا ارتفع مستواه، بالإضافة إلى فحص وظائف الكلى والغدة الدرقية.
- تخطيط القلب الكهربائي: يُعطي معلومات شاملة حول حالة القلب، ويشمل ذلك معدل ضربات القلب ونظامه، وكذلك يمكنه رصد نقص تدفق الدم في بعض المناطق.
- مخطط صدى القلب: يساهم في تشخيص مشاكل القلب مثل عيوب الصمامات والتشوهات الخلقية، ويعتمد هذا الجهاز على نبضات صوتية عالية التردد تتفاعل مع أنسجة القلب.
- القسطرة القلبية: تُستخدم لتحديد السبب عند عدم فاعلية الفحوصات السابقة، حيث يتم إدخال قثطار إلى الشرايين القلبية لأخذ قياسات توضح الضغط داخل حجرات القلب وتقييم عمل الصمامات.
الانصباب الجنبي
بخلاف استسقاء الرئة، يبدأ تشخيص الانصباب الجنبي بتفاصيل التاريخ الطبي متبوعًا بفحص سريري يركز على منطقة الصدر، حيث يتم استماع أصوات القلب والرئتين ومعاينة تحركات الصدر. ومن الفحوصات الشائعة لتشخيص الانصباب الجنبي:
- تصوير الصدر بالأشعة السينية: للتأكد من وجود السوائل، والتحقق إذا كان السائل يسيل على طول جدار الصدر.
- تصوير الصدر بالموجات فوق الصوتية: يُستخدم لتأكيد وجود السوائل ومواضعها، مع تحديد ما إذا كانت السوائل محصورة أم تتحرك بحرية داخل الغشاء الجنبي.
- التصوير الطبقي المحوري: يساهم في تقديم صورة شاملة لحالة الرئة واكتشاف أسباب الانصباب الجنبي.
- بزل الصدر: يتم إجراء هذا الاختبار لسحب عينة من السائل الجنبي وتقييمها في المختبر، حيث يتم فحص العينة للتحليل الكيميائي والتفريق بين النوعين الرشحي والنضحي، بالإضافة إلى فحص خلايا الدم.
- فحوصات الدم وغيرها من الفحوصات التصويرية: يتم اختيارها بناءً على الأعراض والنهج المستخدم في تشخيص السبب الكامن للانصباب الجنبي.
علاج تراكم السوائل في الرئة
استسقاء الرئة
يبدأ علاج استسقاء الرئة بإعطاء الأكسجين لتخفيف الأعراض عبر قناع التنفس، أو باستخدام القنية الأنفية (بالإنجليزية: Nasal Cannula). في بعض الحالات، قد يتطلب الأمر استخدام جهاز التنفس الاصطناعي. يُراقب الطبيب مستوى الأكسجين بشكل دقيق. إذا كان استسقاء الرئة نتيجة لاضطرابات أخرى، سيتم التعامل مع السبب أولاً ثم معالجة الاستسقاء. تعتمد طرق العلاج على حالة الاستسقاء ومسبباته، والمصاب قد يتلقى أدوية مثل:
- مدرّات البول: (بالإنجليزية: Diuretics) لتخفيف السوائل الزائدة في القلب والرئتين، مثل الفيوروسيميد (بالإنجليزية: Furosemide).
- المورفين: يُستخدم لتخفيف ضيق التنفس والقلق، لكن يجب استخدامه بحذر بسبب المخاطر الصحية المحتملة.
- أدوية الضغط: تُستخدم إذا كان ارتفاع ضغط الدم هو السبب، ويمكن وصف أدوية لضبط ضغط الدم عند دخوله القلب أو خروجه، مثل النيتروجلسرين (بالإنجليزية: Nitroglycerin) والنتروبرسيد (بالإنجليزية: Nitroprusside).
الانصباب الجنبي
تشمل طرق علاج الانصباب الجنبي:
- علاج السبب: يتضمن علاج الانصباب معالجة السبب الكامن، مثل وصف المضادات الحيوية لعلاج الالتهاب الرئوي.
- تصريف السوائل: في حالة تزايد السوائل، يُمكن إجراء بزل الصدر كما ذُكر سابقًا، أو قد يتم تركيب منفذ لتصريف السوائل من الغشاء الجنبي بصورة مستمرة.
لمزيد من المعلومات حول علاج تراكم السوائل في الرئة، يمكن الاطلاع على المقال التالي: (علاج ماء الرئة).