من هو الشاعر صريع الغواني؟
هو الشاعر مسلم بن الوليد، وقد اختلف المؤرخون في تحديد نسبه، حيث اعتبره البعض من أبناء الأنصار الذين اقاموا في الكوفة بعد الفتوحات، بينما رأى آخرون أنه من مواليهم غير العرب. لا يوجد دليل قاطع يثبت أي من هذين الرأيين. وزمن ميلاده غير معروف، لكن بعض الباحثين حددوا الفترة التي وُلِد فيها بناءً على توقيت وفاته. وقد رأى بعض المستشرقين أنه وُلِد بين عامي 130هـ و140هـ، بينما عارضهم بعض الباحثين العرب الذين يقولون إنه وُلِد بين عامي 140هـ و150هـ. وقد رجح المحقق د. سامي الدهان أن ميلاده كان نحو عام 140هـ.
هذا يعني أنه عاش في العصر العباسي الأول، خلال فترة الخلفاء الأقوياء مثل: المنصور، المهدي، وهارون الرشيد. وقد قيل إن هارون الرشيد كان يحفظ أشعار مسلم بن الوليد منذ الصغر. وعلى الرغم من عدم تحديد الوقت الذي بدأ فيه مسلم بن الوليد في تأليف الشعر، إلا أن رواية تخبرنا أن الرشيد قد حفظ شعر مسلم حين كان طفلاً، وهو ما يعني أن مسلم بدأ نظم الشعر قبل بلوغه سن الرشد، حيث وُلِد الرشيد حوالي عام 148هـ.
نشأة الشاعر صريع الغواني الشخصية والعلمية
نشأ مسلم بن الوليد في الكوفة، حيث كان يتردد على المسجد للاستماع إلى دروس الفقه والوعظ وعلوم اللغة. كما كان يستمع إلى الشعر في الأسواق ويحفظه، ثم يعود إلى المنزل لينشده مع أقرانه. وهكذا بدأ بتطوير موهبته الشعرية، حيث أصبح يُنشد قصائد تشبه في جودتها هذيان الطفولة، كما ذكر د. سامي الدهان. وقد كان يُعتبر نظم طفل يحاول الاقتداء بما يسمعه من الشعراء الكبار، مما ساعد على نضوج شخصيته تدريجيًا. وذكر ابن شاكر الكتبي أن مسلم كان يعمل كأجير لفّران قبل أن يُصبح شاعرًا.
بدأ مسلم يتأثر بالشعر العربي clásico، ولم يكن من محبي شعر أبي نواس وبشار بن برد، على عكس أخيه سليمان الذي كان شاعرًا أعمى ويُفضل شعر بشار. تأثر مسلم بالثقافة العربية القديمة والشعر الجاهلي، مما جعله يميل إلى الطباع البدوية الأصيلة وينبذ ما عداها. بدت عليه علامات الرزانة والحكمة والهدوء، ولم يكن من بين الذين انغمسوا في أسلوب الحياة الحديثة بعيدة كل البعد عن الجذور العربية. وعندما التقيا في بغداد، حدثت بينه وبين أبي نواس عداوة بسبب اختلاف الشخصيات والاهتمامات.
بعد أن أصبح شابًا، انتقل مسلم إلى بغداد حيث كان يطمح للتواصل مع الأمراء والوزراء من أجل مدحهم والحصول على عطاياهم. وقد تمكن من التواصل مع البرامكة ويزيد بن مزيد الذين كافأوه بعطايا سخيّة. واستمر في مدحهم حتى أصبح يتطلع لدخول قصر الخليفة، وبفضل وساطة تدخل بها، أصبح مسلم يُنشد الشعر داخل القصر في مواضيع مثل الغزل واللهو، وقد أثار شعره إعجاب الخليفة الذي أمر له بأعطيات، ومنذ ذلك الوقت أصبح مسلم يتردد على قصر الخليفة بشكل متكرر.
لماذا لُقب بصريع الغواني؟
تروي المصادر التاريخية قصة تلقيبه بهذا الاسم، حيث يُقال إنه قدم قصيدة للخليفة هارون الرشيد تتضمن الأبيات التالية:
أَديرا عَليَّ الراحَ لا تَشرَبا قَبلي
وَلا تَطلُبا مِن عِندِ قاتِلَتي ذَحلي
فَما حَزَني أَنّي أَموتُ صَبابَةً
وَلَكِن عَلى مَن لا يَحِلُّ لَهُ قَتلي
وقد نالت القصيدة إعجاب الرشيد، وخاصةً الأبيات الأخيرة التي جاء فيها:
سَأَنقادُ لِلَّذاتِ مُتَّبِعَ الصِبا
لِأُمضِيَ هَمّي أَو أُصيبَ فَتىً مِثلي
هَلِ العَيشُ إِلّا أَن أَروحَ مَعَ الصِبا
وَأَغدوا صَريعَ الراحِ وَالأَعيُنِ النُجلِ
وعندما سمع الرشيد البيت الأخير، أطلق عليه لقب “صريع الغواني”، وهو الاسم الذي اشتهر به في كتب التاريخ.
قصائد الشاعر صريع الغواني
ترك مسلم بن الوليد المعروف بصريع الغواني مجموعة كبيرة من القصائد الجميلة التي دفعت به إلى مقدمة شعراء العصر العباسي، ومن أبرز قصائده:
- أجررت حبل خليع في الصبا غزل.
- سرت بملام حين هوم عذلي.
- أديرا علي الراح لا تشربا قبلي.
- وساحرة العينين ما تحسن السحرا.
- طيف الخيال حمدنا منك إلماما.
- خيال من النائي الهوى المبتعد.
- أغرى به الشوق ليل الساهر الرمد.
- طلائع شيب سير أسرعها رسل.
- لولا سيوف أبي الزبير وخيله.
- وصاحب لم يخيرني المنى أملا.
- أديري على الراح ساقية الخمر.
- هجر الصبا وأناب وهو طروب.
- قد اطلعت على سري وإعلاني.
- آثار أطلال برومة درس.
- تحملت هجر الشادن المتدلل.
- تداعى خطوب الدهر عن جار جعفر.
- أحق أنه أودى يزيد.
- وقائل ليست له همة.
- لا تدع بي الشوق إني غير معمود.
- أيا سرور وأنت يا حزن.
- أأعلن ما بي أم أسر فأكتم.
- عجبا لطيف خيالك المتجانس.
- خليلي لست أرى الحب عارا.
- كتاب فتى أخي كلف طروب.
- يا أيها المعمود.
- طرق الخيال فهاج لي بلبالا.
- يا ليلة نلت فيها اللهو والوطرا.
- شغلي عن الدار أبكيها وأرثيها.
- هاجت وساوسه برومة دور.
- أما النحيب فإني سوف أنتحب.
- يا عين جودي بدمع منك مدرار.
- عاصى الشباب فراح غير مفند.
- وأبيض أما جسمه فمدور.
اقتباسات عن الشاعر صريع الغواني
فيما يلي بعض الاقتباسات الشعرية من قصائد متنوعة للشاعر مسلم بن الوليد:
- قصيدة: أديرا عليّ الراح
أَديرا عَليَّ الراحَ لا تَشرَبا قَبلي
وَلا تَطلُبا مِن عِندِ قاتِلَتي ذَحلي
فَما حَزَني أَنّي أَموتُ صَبابَةً
وَلَكِن عَلى مَن لا يَحِلُّ لَهُ قَتلي
أُحِبُّ الَّتي صَدَّت وَقالَت لِتُربِها
دَعيهِ الثُرَيّا مِنهُ أَقرَبُ مِن وَصلي
أَماتَت وَأَحيَت مُهجَتي فَهيَ عِندَها
مُعَلَّقَةٌ بَينَ المَواعيدِ وَالمُطلِ
وَما نِلتُ مِنها نائِلاً غَيرَ أَنَّني
بِشَجوِ المُحِبّينَ الأُلى سَلَفوا قَبلي
- قصيدة: أغرى به الشوق
أَغرى بِهِ الشَوقُ لَيلَ الساهِرِ الرَمِدِ
وَنَظرَةٌ وَكَّلَت عَينَيهِ بِالسُهُدِ
أَمُنقَضٍ عَنهُ حُزنٌ ما يُفارِقُهُ
أَقامَ بَينَ الحَشى بِالسُقمِ وَالكَمَدِ
أَم لَيسَ ناسِيَ أَيّامٍ لَهُ سَلَفَت
جَرَت عَلَيهِ بِلَذّاتٍ فَلَم تَعُدِ
أَحيا البُكا لَيلَهُ حَتّى إِذا تَلِفَت
Nفسُ الدُجى وَاِستَنارَ الصُبحُ كَالوَقَدِ
- قصيدة: خليلي لست أرى الحب عارا
خَليلَيَّ لَستُ أَرى الحُبَّ عارا
فَلا تَعذُلاني خَلَعتُ العِذارا
وَكَيفَ تَصَبُّرُ مَن قَلبُهُ
يَكادُ مِنَ الحُبِّ أَن يُستَطارا
لَقَد تَرَكَ الوَجدُ نَفسي بِها
تَموتُ مِراراً وَتَحيا مِرارا
كِلانا مُحِبٌّ وَلَكِنَّني
عَلى الهَجرِ مِنها أَقَلُّ اِصطِبارا
لقد عُرف الشاعر مسلم بن الوليد بلقب صريع الغواني، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الخليفة هارون الرشيد بعد أن ألقى عليه قصيدته الشهيرة “أديرا علي الراح لا تشربا قبلي”. نشأ مسلم في الكوفة، ثم انتقل إلى بغداد ليتمكن من الاقتراب من أمراء الدولة والوزراء والحصول على عطاياهم مقابل مدحه لهم.