تحليل قصيدة “المساء” للشاعر خليل مطران

خليل مطران

يُعتبر خليل مطران، الشاعر اللبناني المصري، أحد أبرز الشخصيات الأدبية في عصره، وقد وُلِد في عام 1872. لُقّب بشاعر القطرين لقدرته الاستثنائية على دمج الحضارتين العربية والأجنبية في قصائده. عُرف بغوصه العميق في المعاني الشعرية، وكان كاتبًا ومترجمًا ومؤرخًا، مُتمكّنًا من الأدب الفرنسي إلى جانب الأدب العربي والتراث.

دعا مطران إلى تحديث الأدب والقصيدة العربية، واعتُبر رائدًا في تجاوزه للأغراض التقليدية وطرز الشعر العربي التقليدي. وابتكر معالم شعرية جديدة تتماشى مع التطورات، مع الحفاظ على الروح البصرية القديمة فيه.

تحليل قصيدة المساء

  • في الأبيات (1-5): يتناول الشاعر معاناته مع المرض، حيث يعتقد أن هذا الألم قد يخفف من ألم الحب، لكنه يجد أن عذابه يزداد ويفتقد الجسد والقلب الهدوء. يشعر بالضعف في خضم مشاعره المعذّبة، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة لرؤية الحقيقة.
  • في الأبيات (6-9): يستجيب الشاعر لنصائح أصدقائه بالذهاب إلى الإسكندرية بحثًا عن الشفاء، حيث يأمل في أن يساعده الهواء النقي والطبيعة في استعادة عافيته. لكن الغياب المتواصل لمحبيته يزيد من ناره الداخلية، مما يؤدي إلى تفاقم حالته الصحية.
  • في الأبيات (10-20): يتواجد الشاعر على شاطئ البحر متحدثًا إليه عن مشاعره وأفكاره المضطربة. يعكس المساء حالته النفسية المترددة، ويتمنى أن يصبح قلبه صخراً ليقاوم الألم، لكنه يجد نفسه محاصرًا بهما.
  • في الأبيات (21-27): مع بداية المساء، يستشعر الشاعر مزيجًا من اليأس والأمل، ويتذكر حبيبته التي تبدو كأنها حاضرة أمامه. تتساقط دموعه كغروب الشمس، مما يعبر عن الحزن العميق المسيطر عليه.
  • في الأبيات (28-40): تعكس حالته النفسية تأثيرها على الطبيعة من حوله، حيث يرسم صورًا حزينة من خلال أشعة الشمس، الليل، البحر، والغروب. يربط بين آلامه الجسدية ونفسه، وتتداخل الطبيعة في حديثه لتظهر له كأصدقاء يفهمون آلامه.

مناسبة القصيدة

في عام 1902، أصيب خليل مطران بمرض دفعه للذهاب إلى الإسكندرية للعلاج. ومع تفاقم آلامه، لجأ إلى شعره للتعبير عن معاناته من خلال قصيدة المساء، التي تميزت بعاطفتها القوية وصدق مشاعرها.

نص القصيدة

دَاءٌ أَلَمَّ فخِلْتُ فيهِ شِفَائي

من صَبْوَتي، فتَضَاعَفَتْ بُرَحَائي

يَا لَلضَّعيفَينِ ! اسْتَبَدَّا بي، ومَا

في الظُّلْمِ مثلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ

قَلْبٌ أَذَابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالجَوَى

وَغِلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنَ الأَدْوَاءِ

وَالرُّوحُ بَيْنَهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ

في حَالَيِ التَّصْوِيبِ وَالصُّعَدَاءِ

وَالعَقْلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نُورَهُ

كَدَرِي، وَيُضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائي

هذا الذي أَبْقَيْتِهِ يَا مُنْيَتِي

مِنْ أَضْلُعِي وَحُشَاشَتِي وَذَكَائي

عُمْرَيْنِ فِيكِ أَضَعْتُ، لَوْ أَنْصَفْتِني

لَمْ يَجْدُرَا بتَأَسُّفِي وَبُكَائي

عُمْرَ الفَتَى الفَانِي، وَعُمْرَ مُخَلَّدٍ

ببَيَانِهِ، لَوْلاَكِ، في الأَحْيَاءِ

فَغَدَوْتُ لَمْ أَنْعَمْ، كَذِي جَهْلٍ، وَلَمْ

أَغْنَمْ، كَذِي عَقْلٍ، ضَمَانَ بَقَائي

يَا كَوْكَبَاً مَنْ يَهْتَدِي بضِيَائِهِ

يَهْدِيهِ طَالِعُ ضِلَّةٍ وَرِيَاءِ

يَا مَوْرِدَاً يَسْقِي الوُرُودَ سَرَابُهُ

ظَمَأً إِلَى أَنْ يَهْلِكُوا بظَمَاءِ

يَا زَهْرَةً تُحْيي رَوَاعِيَ حُسْنِهَا

وَتُمِيتُ نَاشِقَهَا بلاَ إِرْعَاءِ

هَذَا عِتَابُكِ، غَيْرَ أَنِّي مُخْطِىءٌ

أَيُرَامُ سَعْدٌ في هَوَى حَسْنَاءِ؟

حَاشَاكِ، بَلْ كُتِبَ الشَّقَاءُ عَلَى الوَرَى

وَالحُبُّ لَمْ يَبْرَحْ أَحَبَّ شَقَاءِ

نِعْمَ الضَّلاَلَةُ حَيْثُ تُؤْنِسُ مُقْلَتِي

أَنْوَارُ تِلْكَ الطَّلْعَةِ الزَّهْرَاءِ

نِعْمَ الشّفَاءُ إذَا رَوِيتُ برَشْفَةٍ

مَكْذُوبَةٍ مِنْ وَهْمِ ذَاكَ المَاءِ

نِعْمَ الحَيَاةُ إذَا قَضَيْتُ بنَشْقَةٍ

مِنْ طِيبِ تِلْكَ الرَّوْضَةِ الغَنَّاءِ

إِنِّي أَقَمْتُ عَلَى التَّعِلَّةِ بالمُنَى

في غُرْبَةٍ قَالُوا: تَكُونُ دَوَائي

إِنْ يَشْفِ هَذَا الجسْمَ طِيبُ هَوَائِهَا

أَيُلَطِّفُ النِّيرَانَ طِيبُ هَوَاءِ؟

أَوْ يُمْسِكِ الحَوْبَاءَ حُسْنُ مُقَامِهَا

هَلْ مَسْكَةٌ في البُعْدِ لِلْحَوْبَاءِ؟

عَبَثٌ طَوَافِي في البلاَدِ، وَعِلَّةٌ

في عِلَّةٍ مَنْفَايَ لاسْتِشْفَاءِ

مُتَفَرِّدٌ بصَبَابَتي، مُتَفَرِّدٌ

بكَآبَتي، مُتَفَرِّدٌ بعَنَائِي

شَاكٍ إِلَى البَحْرِ اضْطِرَابَ خَوَاطِرِي

فَيُجيبُني برِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ

ثَاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمَّمَّ، وَلَيْتَ لي

قَلْبَاً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ!

يَنْتَابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي

وَيَفتُّهَا كَالسُّقْمِ في أَعْضَائي

وَالبَحْرُ خَفَّاقُ الجَوَانِبِ ضَائِقٌ

كَمَدَاً كَصَدْرِي سَاعَةَ الإمْسَاءِ

تَغْشَى البَرِيَّةَ كُدْرَةٌ، وَكَأَنَّهَا

صَعِدَتْ إلَى عَيْنَيَّ مِنْ أَحْشَائي

وَالأُفْقُ مُعْتَكِرٌ قَرِيحٌ جَفْنُهُ

يُغْضِي عَلَى الغَمَرَاتِ وَالأَقْذَاءِ

يَا لَلْغُرُوبِ وَمَا بهِ مِنْ عِبْرَةٍ

لِلْمُسْتَهَامِ، وَعِبْرَةٍ لِلرَّائي!

أَوَلَيْسَ نَزْعَاً لِلنَّهَارِ، وَصَرْعَةً

لِلشَّمْسِ بَيْنَ مَآتِمِ الأَضْوَاءِ؟

أَوَلَيْسَ طَمْسَاً لِلْيَقِينِ، وَمَبْعَثَاً

لِلشَّكِّ بَيْنَ غَلائِلِ الظّلْمَاءِ؟

أَوَلَيْسَ مَحْوَاً لِلوُجُودِ إلَى مَدَىً

وَإِبَادَةً لِمَعَالِمِ الأَشْيَاءِ؟

حَتَّى يَكُونَ النُّورُ تَجْدِيدَاً لَهَا

وَيَكُونَ شِبْهَ البَعْثِ عَوْدُ ذُكَاءِ

وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالنَّهَارُ مُوَدِّعٌ

وَالقَلْبُ بَيْنَ مَهَابَةٍ وَرَجَاءِ

وَخَوَاطِرِي تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي

كَلْمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائي

وَالدَّمْعُ مِنْ جَفْني يَسِيلُ مُشَعْشَعَاً

بسَنَى الشُّعَاعِ الغَارِبِ المُتَرَائي

وَالشَّمْسُ في شَفَقٍ يَسِيلُ نُضَارُهُ

فَوْقَ العَقِيقِ عَلَى ذُرَىً سَوْدَاءِ

مَرَّتْ خِلاَلَ غَمَامَتَيْنِ تَحَدُّرَاً

وَتَقَطَّرَتْ كَالدَّمْعَةِ الحَمْرَاءِ

فَكَأَنَّ آخِرُ دَمْعَةٍ لِلْكَوْنِ قَدْ

مُزِجَتْ بآخِرِ أَدْمُعِي لرِثَائي

وَكَأَنَّني آنَسْتُ يَوْمِي زَائِلاً

فَرَأَيْتُ في المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائي

Scroll to Top