الكرسي والعرش
يجمع العديد من الناس على أن الكرسي والعرش اللذين ورد ذكرهما في القرآن الكريم هما ذات الشيء، دون إدراك للاختلاف بينهما. إلا أنه من المهم التوضيح أن الكرسي هو مفهوم مختلف تمامًا عن العرش. في هذا المقال، سنستعرض الفروقات بين الكرسي والعرش مستندين إلى الأدلة من القرآن الكريم، والسنة النبوية، وآراء العلماء المختصين في تفسيرهما.
الكرسي
تطرق الله سبحانه وتعالى إلى الكرسي في آية الكرسي التي تعتبر من أشهر الآيات في القرآن، حيث يقول: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) [سورة البقرة: 255]. وقد تنوعت آراء العلماء حول معنى الكرسي المذكور في هذه الآية، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- يشير بعض العلماء إلى أن الكرسي في هذه الآية يمثل علم الله، وهذا التفسير يختص بهذه الآية تحديدًا وليس بالمفهوم العام للكرسي في الإسلام.
- يعتبر بعضهم أن الكرسي هو العرش، ومع ذلك، فقد رد الإمام ابن القيم هذا الرأي في كتابه “الصواعق المرسلة”، حيث أوضح أن السماء تحيط بالأرض، مما يجعلها أعلى منها، وكذلك الكرسي محيط بالسماوات، مما يجعله أعلى منها، والعرش بدوره محيط بالكرسي، وهو أعلى منه.
- يرى البعض أن الكرسي هو موضع القدمين، وقد أشار الشيخ الألباني في كتابه “مختصر العلو” نقلاً عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما، حيث قال: (الكُرْسِيُّ موضعُ القدمينِ، والعرشُ لا يقدرُ أحدٌ قدْرَه).
- وأشار الشيخ الألباني أيضًا في “السلسلة الصحيحة” إلى حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، الذي يوضح أن السماوات السبع في الكرسي كحلقة موضوعة في أرض قاحلة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الأرض القاحلة على تلك الحلقة.
العرش
ذُكِر العرش في مواضع مختلفة من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: (فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم) [المؤمنون: 116]، وكذلك قوله: (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 129]، وأيضًا: (ذُو العَرْشِ المَجِيد) [لبروج: 15].
تناولت السنة النبوية العرش في عدة مواضع، بما في ذلك الأحاديث التي تتحدث عن الكرسي، حيث تم ذكر العرش أيضًا. وقد خص الله العرش بالعظمة والتمجيد، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى استوى عليه، كما جاء في قوله: (الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ) [طه: 5].
وقد قال العلماء في مسألة الاستواء ربيعة أحد الشيوخ الأفاضل: (الاستواء هنا غير مجهول، والكيف غير معقول، الإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة). فقد ذكرت أن الاستواء وصفه الله في الكتاب، وعلينا أن نؤمن به دون محاولة فهم كيفيته، حيث إن كيفية الاستواء لا يمكن لعقولنا أن تدركها.
إن الإيمان باستواء الله على العرش هو واجب على كل مسلم، أما السؤال حول ذلك فهو بدعة، فإن الشخص الذي يتساءل عن الكيفية أو الوقت يعد مبتدعًا. فنحن نؤمن بما أوضحه الله ورسوله، ونتجنب ما لم يرد في كتاب الله وسنة نبيه.
وفيما يتعلق بتفسير آية (وسع كرسيه السماوات والأرض)، ذكر سعيد بن جبير عن ابن عباس أن الكرسي هو موضع القدمين، بينما لا يمكن لأحد أن يقدر عظمة العرش إلا الله سبحانه وتعالى.