تاريخ الصراعات والمعارك بين الفايكنج والمسلمين

الوقائع والمعارك بين الفايكنج والمسلمين

يمثل الفايكنج مجموعة من المغامرين الغزاة الذين عاشوا في منطقة إسكندينافيا، وقد تمركزت أنشطتهم في أعمال القرصنة والسلب على مدى القرنين الحادي عشر والثاني عشر. وقد أثروا بشكل كبير على المدن الأوروبية، حيث قاموا بشن غارات متكررة على المدن الإسلامية في الأندلس، واشتُهروا بأنهم من “النورمان”.

انتقل الفايكنج من الدول الإسكندنافية، والتي تشمل حالياً النرويج والسويد والدنمارك وفنلندا، إلى فرنسا، واستقروا في منطقة نورمندي، شمال غرب البلاد. كانت لديهم شغف بالغزو والحروب، مما أسفر عن ثروات طائلة، وقد أصبحت نورمندي واحدة من أغنى المقاطعات في تلك الفترة بسبب ما قاموا به من نهب وسلب، علاوة على تفوقهم في الحروب الصليبية ضد المسلمين.

وبالإضافة إلى ذلك، تمكن الفايكنج من السيطرة على إنجلترا ومناطق واسعة من أوروبا وإيطاليا، حيث أسسوا مدينة أفرسا في فرنسا كمركز رئيسي لهم. كما تفاعلت ثقافتهم بشكل كبير مع الحضارة الفرنسية، مما أثر على عاداتهم وممارساتهم الثقافية.

يمارس الفايكنج الشعائر الوثنية ولديهم طقوس مدهشة، مثل طقوس الدفن والعقوبات، والتي غالباً ما تخلو من الرحمة. وقد تناول الرحالة المسلم ابن فضلان -رحمه الله- بعض هذه العادات في كتاباته، لكن هذا ليس موضع الحديث في الوقت الحالي.

غزو الفايكنج مدينة إشبيلية

في عام 229 هجرية، قام الفايكنج بتجهيز أربع وخمسين سفينة لشن هجوم على مدينة إشبيلية الإسلامية. بدأوا هجومهم على مدينة أشبونة، حيث قضوا ثلاثة عشر يومًا في مينائها، يخوضون معارك ضارية ضد المسلمين، وكان القائد المسلم وهب بن حزم -رحمه الله- في مقدمة المدافعين، بدعم من المجاهدين المحليين.

تواصل هذا القائد مع الوالي عبد الرحمن الثاني، المعروف بـ “عبد الرحمن الأوسط”، طلبًا للمساعدة العسكرية. وقد استجاب الوالي لهذا النداء، مما يدل على تضامن الدولة الأموية مع سكان الأندلس.

في عام 230 هجرية، انتقل الفايكنج إلى مدينة إشبيلية، وكانت نيتهم الرئيسية الاستيلاء على ثرواتها. ولكن الوالي عبد الرحمن الأوسط تصدى لهم بشجاعة، حيث استمرت المقاومة لأكثر من مائة يوم، تخللها تواجد الفايكنج في إشبيلية لمدة اثنين وأربعين يومًا، خربوا خلالها المدينة قبل أن ينسحبوا.

كان الفايكنج يمارسون أسلوب الغزو القائم على الحروب العصابات، وما أن دخلوا إشبيلية حتى خلفوا وراءهم دمارًا هائلًا، حيث نهبوا ثروات المدينة واعتدوا على حرمة النساء، وكذلك أشاعوا الذعر والفزع في العديد من المدن مثل شذونة ومرسية وألمارية.

مقاومة عبد الرحمن الثاني

كما ذكرنا، قاوم عبد الرحمن الثاني الفايكنج ببسالة، مصدًا هجماتهم التي تهدد أراضي المسلمين. وقد تحقق النصر بفضل الله، حيث أغرق جيشه نحو نصف الأسطول الفايكنغي، ليتعرضوا لخسارة كبيرة قدرت بثلاث وعشرين سفينة.

بعد هذا الانتصار، أدرك الوالي عبد الرحمن الثاني الخطر الكبير الذي يشكله الفايكنج، فأنشأ أسطولين بحريين كان لهما تأثير كبير في التصدي لهجمات المعتدين في المستقبل. فقد تم تخصيص أحدهما للبحر الأبيض والآخر للبحر الأطلسي لحماية الأندلس من هذا النوع من التهديدات.

ساهمت هذه الأساطيل في فتح بعض البلدان والجزر مثل جزيرة البليار، بالإضافة إلى بناء عبد الرحمن الثاني سورًا ضخمًا حول إشبيلية لحمايتها من هجمات الفايكنج واعتداءات الآخرين.

الفايكنج ينقضون العهد ويعاودون الهجوم على الأندلس

بعد أن تمكن عبد الرحمن الأوسط من صد هجمات الفايكنج على مدينة إشبيلية، سعى إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع ملك الدنمارك لتوقيع هدنة بين الطرفين. وقد أرسل وفدًا من الشخصيات السياسية البارزة للقيام بالمفاوضات، ونجحوا في التوصل إلى اتفاق، لكن هذا العهد كان قصير الأمد.

حيث قرر الفايكنج نقض العهد مجددًا، وعادوا للهجوم في عام 254 للهجرة على بعض المدن الأندلسية. رغم ذلك، كانت هجماتهم غير ناجحة، حيث قوبلت بمقاومة بطولية شرسة، ولهذا لم يتمكنوا من تحقيق أي مكاسب ملحوظة بفضل الأساطيل البحرية التي أسسها المسلمون سابقًا.

أسباب المعارك بين الفايكنج والمسلمين

لم تكن هجمات الفايكنج على المسلمين بدافع ديني بحت، بل كانت تركز على الأبعاد الاقتصادية والمادية. وقد نشأت علاقات تجارية بين الفايكنج والمسلمين بعد هذه المعارك، حيث كان المسلمون يتبادلون السلع الجيدة مع الفايكنج مقابل الذهب والفضة.

Scroll to Top