الفرق بين الماء المطلق والماء المشمس
درس الفقهاء في مؤلفاتهم تقسيمات المياه، وخاصة في بداية متطلبات الطهارة، حيث تناولوا مفهوم الماء المطلق والماء المشمس من جوانب عدة: طبيعة كل منهما، حكم استخدامهما في الطهارة الحسية التي تشمل تطهير النجاسة، وأيضًا حكم استخدامهما في الطهارة المعنوية التي تشمل الوضوء والغسل. وقد ناقشوا سبب تفضيل بعض العلماء تجنب استخدام الماء المشمس لأغراض الطهارة.
التعريف بكل من الماء المطلق والماء المشمس
ميّز العلماء بين الماء المطلق والماء المشمس من منظور طبيعة كل منهما على النحو التالي:
- الماء المطلق: هو الماء الذي يحتفظ بخصائصه الابتدائية دون تغيير، ولا يحتاج إلى أي وصف آخر لتوضيح طبيعته، ويعتبر طاهرًا في ذاته ويطهر غيره.
- الماء المشمس: هو الماء الذي تم تسخينه بواسطة أشعة الشمس، ويُعتبر مشمسًا عندما تكون سخونته كافية لتغيير خصائصه، وهذا الأمر يظهر عادةً في المناطق الحارة.
الفرق في حكم استخدام الماء في الطهارة
يتفاوت حكم استخدام الماء المطلق والماء المشمس في الطهارة على النحو التالي:
- الماء المطلق: يُعتبر طاهرًا في ذاته ويطهر غيره، ويمكن استخدامه في الطهارة، سواء لرفع الحدث الأصغر مثل النوم أو الخروج من أحد السبيلين من خلال الوضوء، أو لرفع الحدث الأكبر كحالات الجنابة عبر الغسل، أو لإزالة النجاسة، وهذا مدعوم بالإجماع.
- الماء المشمس: هو أيضًا طاهر في ذاته، لكن العلماء اختلفوا في رأيهم بشأن استخدامه في الطهارة، حيث يوجد رأيان:
- الرأي الأول: الجواز دون كراهة، وهو ما يذهب إليه الحنفية والحنابلة.
- الرأي الثاني: الجواز مع الكراهة، وهو ما يُعبر عنه المالكية والشافعية.
أسباب الكراهة في استخدام الماء المشمس للطهارة
يستند الذين يرون كراهة استخدام الماء المشمس في الطهارة إلى عدة أدلة، منها:
- رواية تشير إلى هذا الموضوع منسوبة إلى عائشة -رضي الله عنها-، حيث قالت: “أسخنت ماءً في الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص”، وقد رواه البيهقي لكنه ضعفه واعتبره غير صحيح، ولفظ “حميراء” هو تصغير “حمراء” وهو وصف لمن لها بشرة بيضاء. بينما البرص هو مرض جلدي يسبب ظهور بقع بيضاء.
- كما ذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى كراهية الاغتسال بالماء المشمس، موضحًا أنه يؤدي إلى البرص، وقد أشار النووي إلى أن هذا الرأي ضعيف أيضًا.
- أشار القائلون بالكراهة إلى أن ذلك يعد كراهة من الناحية الطبية نظرًا للأضرار المحتملة على الجلد.
ومع ذلك، أوضح النووي -رحمه الله- عدم كراهية استخدام الماء المشمس في الطهارة استنادًا لسببين:
- السبب الأول: اتفاق العلماء على ضعف الحديث المشار إليه.
- السبب الثاني: عدم وجود دليل طبي على وجود أضرار للجلد نتيجة استخدام هذا النوع من الماء.
يبدو أن هناك بعض الأطباء القدماء قد اعتمدوا رأي ضرر الماء المشمس على الإنسان، ولكن لم يثبت هذا الوضوع وفق الطب الحديث. ومن المؤكد أن علم الطب قد شهد تطورات هائلة في الآونة الأخيرة، مما يعزز ثقتنا في نتائج الدراسات الطبية الحديثة، والتي تستند إلى التجارب المخبرية والسريرية، بعيدًا عن الآراء الطبية التاريخية إلا بعد التفحص وفق المعايير الطبية المعاصرة.