آية: “ذلك ومن يعظم شعائر الله” وردت في سورة الحج، حيث تتناول آياتها الحديث عن شعائر الحج وضرورة تقديسها وتعظيمها.
إن هذه الشعيرة العظيمة، الحج، هي من أركان الدين الإسلامي، حيث أكد النبي محمد صلى الله عليه وسلم مكانتها بقوله:
(بني الإسلام على خمس…..)، وقد وضع الحج في مقدمة هذه الأركان، لأهميته البالغة، حيث يشير إلى المعنى الجوهري في عقيدتنا، ألا وهو تقوى القلوب. إن الإيمان في جوهره يتلخص بما يرسخ في القلب ويدعمه العمل.
السبب في نزول آية: ذلك ومن يعظم شعائر الله
قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم؛
(وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم ول-yوفوا نذورهم وليطّوفوا بالبيت العتيق ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأُحلت لكم الأنعام إلا ما يُتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور)، (الحج 27-30)
في هذه الآيات، يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بإبلاغ المؤمنين بأهمية الحج وما يتطلبه من شعائر كطواف وسعي ونحر، مع الالتزام بسنة نبي الله إبراهيم، حيث يقول الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم: (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود).
ثم يختتم الله سبحانه وتعالى بتفسير المؤمنين الذين يجتنبون ما أمر الله بتجنبه عند أداء مناسك الحج، كدليل على تعظيمهم لحدود الله. لينالوا بذلك البشارة من الله بالخيرات الوفيرة، ويصف رب العزة من يعظم حرماته بالحنفاء فيقول:
بسم الله الرحمن الرحيم؛ (حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق).
فـ”حنفاء لله” تعني الاستقامة له عز وجل، في حين يُوعد المشركون بالهلاك والعذاب في نار جهنم.
بسم الله الرحمن الرحيم؛ (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
أي أن تعظيم ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه إنما هو دليل على صلاح القلب وتقوى النفوس، وفي تقوى القلوب تفاصيل أكثر تتعلق بالخلُق الحسن.
صلاح القلوب
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، متفق عليه.
- فالقلب هو الذي جعله الله سبحانه وتعالى سيداً على جميع الأعضاء، فإن صلح القلب صلحت معه جميع الجوارح.
- إذ أن القلب هو موطن الإيمان ومكان الكفر أيضاً، وبقدر الإيمان تكون التقوى.
- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، وأشار إلى قلبه ثلاث مرات)، متفق عليه في صحيح البخاري.
- تكون إصابة القلوب بالفساد بسبب المعاصي والذنوب، ولا يُنزع هذا الفساد إلا بالتوبة والاستغفار.
- فالاستغفار يُنظف القلوب، والتوبة تقويها.
- فكلما مضى الإنسان في الاستغفار، تطهر قلبه وتخلص من نقاط السواد.
- أما الإصرار على الذنوب يسبب تحول هذه النقاط إلى ران على القلوب، والعياذ بالله.
تقوى القلوب
- جعل الله سبحانه وتعالى القلب هو الملك وذو السيادة على جميع الجوارح، وجعل الأعضاء كالجند تحت إمرته.
- فإذا صلح القائد صلحت جنوده، وهو ما قاله صلى الله عليه وسلم:
- (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، وهي القلب)، متفق عليه.
- القلب هو محل الإيمان والتقوى، كما أنه قد يكون مكان الكفر والنفاق والشرك بالله.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التقوى هاهنا، وأشار إلى قلبه).
- الإيمان هو اعتقاد يستقر في القلب مصدقاً بالأعمال، فإذا استقر القلب على الإيمان، انطلق اللسان وعملت الجوارح.
- القلب يؤمن ويصدق، مما يجعل اللسان ينطق بشهادات الإيمان مثل “أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله”.
- يرتبط تحرك اللسان بإيمان القلب، ويعود القلب إلى إنشغاله بالمحبة والخوف والرجاء.
- ومن ثم يتحرك الجسد لأداء العبادات: الصلاة، السجود، الركوع، والصيام.
مواصلة تقوى القلوب
- فتمتنع الجوارح راضيةً وساكنةً عن الطعام والشراب والشهوات التي أحلها الله.
- ما يُقوم به الإنسان هو نتيجة إيمان مستقر في قلبه، مصدق بأفعاله.
- فالعمل الصالح يعتمد على تقوى القلب، وآثاره واضحة في الأبدان، لكن القلب هو الذي يحركها.
- ظهر نتاج ما يحمله القلب على الأبدان، بل وحتى تعبيرات الوجه تعكس ما وقر في القلب.
- عبادة القلب هي الأهم والأسمى مقارنة بعبادة الجسد.
- وكل الأعمال في الجوارح مرتبطة بالقلب، وأعظمها الإيمان بالله سبحانه وتعالى.
مواصلة تقوى القلوب
- بالإضافة إلى التصديق والاستسلام الكامل لله ورسوله.
- يشمل ذلك ما يقر في القلب من حب وخوف ورجاء وإيمان وتوكل وصبر ويقين وخشوع لله سبحانه.
- كل هذه الأعمال تمثل أعمال القلوب، وهي دليل على صلاح القلب.
- وفي حالة حدوث عكس ذلك، يصبح القلب مريضًا.
- الإيمان مناوئ للكفر، والإخلاص مناوئ للرياء، وهو مرض يشوه القلب ويصيبه.
- اليقين يعني أن القلب سليم، بينما الشك يدل على مرض القلب، ويجب علينا العمل جميعًا على صلاح قلوبنا وتطهیرها من الذنوب.
- فإن القلوب إن لم نتوجه لها بالتوبة والاستغفار قد تهلكنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- (إن العبد إذا أخطأ خطيئة، نُقيت في قلبه نقطة سوداء، فإن تاب واستغفر زالت.
- أما إن استمر في الذنوب دون توبة، فإن النقطة السوداء تتحول إلى ران). وذكر الله سبحانه وتعالى:
- بسم الله الرحمن الرحيم؛ (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب انجذب إليها، نُقِط فيه نقطة سوداء.
- وأي قلب أنكرها، نُقِط فيه نقطة بيضاء، حتى يصبح هناك قلبان: قلب أبيض مثل الصفاء، لا تؤثر فيه الفتن ما دامت السماوات والأرض، وآخر أسود كالكُرة لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه) رواه مسلم.
تفسير “ذلك ومن يعظم شعائر الله”
التفسير الميسر:
- تشير الآية إلى ما أمر الله به من توحيده وإخلاص العبادة له. ومن يعظم معالم الدين (كالحج والذبائح) إنما يعكس تقوى قلبه.
المختصر في التفسير:
- تعظيم معالم الدين، ومنها الهدي ومناسك الحج، يمثل تقوى القلوب لربها.
تفسير الجلالين:
- “ذلك” يُعبر عن الأمر المتعلق بشعائر الله. وتعظيم الشعائر هو تقدير البدن الذي يُهدي للحرم، وهو من تقوى القلوب.
تفسير السعدي:
- يشير إلى تعظيم شعائر الله (المناسك والذبائح) كعلامات للدين، وتعتبر هذه الأفعال دليلاً على تقوى القلب وإجلال الله.
تفسير البغوي:
- يتحدث عن تعظيم شعائر الله كأعلام الدين، ويشير إلى أن ذلك يعكس تقوى القلوب.
التفسير الوسيط:
- يوضح أهمية تعظيم شعائر الله، كالهدي والعبادات، ويعتبر ذلك دليلاً على تقوى القلب وصلة العبد بالله.
تفسير ابن كثير:
- يشرح تعظيم شعائر الله كأوامر الله، ويعتبر تعظيمها (كالهدايا والبدن) دليلاً على تقوى القلب.
تفسير القرطبي:
- يشرح أن “شعائر الله” تشمل أعلام الدين، ويشير إلى أهمية الاهتمام بالبدن والهدايا في إظهار التقوى.