الغزل العذري في قصائد كثير عزة: الخصائص والأساليب الفنية والجمالية

الغزل العذري في شعر كثير عزة: مميزاته وخصائصه الفنية والجمالية

تميز العصر الأموي بثرائه في الآداب والفنون، حيث تشكلت عدد من التيارات الأدبية ومنها نوعي الغزل: الغزل الحسي والغزل العذري. وكان كُثير عزة واحداً من أبرز الأسماء التي طبعت هذا النوع، رائدًا فيه، وإليكم التفاصيل المتعلقة بذلك.

سمات الغزل العذري عند كثير عزة

كان كُثير عزة شاعرًا بارعًا يتمتع بفصاحة اللسان وعذوبة التعبير، وقد استثمر عاطفته القوية في إنتاج قصائد حب عذرية فريدة، لا سيما تلك المرتبطة بمحبوبته عزة. تعرض للمشاعر العميقة تجاهها، حتى أصبحت صورة عزة جزءًا لا يتجزأ من تفكيره.

ركز كُثير على الجوانب الجميلة التي تجسد شخصيتها، مثل الأخلاق الرفيعة والتمنع، مع إبراز الجانب النفسي فيها، من تردد ورغبة، والاحتفاظ بالنفس بعيدًا عن الشبهات. كانت الصفات التي تتمتع بها النساء حينها تُعتبر أهم المزايا التي تمنحهن سمعة حسنة؛ حيث يقول:

تَرُوكٌ لِسِقْطِ القَوْلِ لا يُهتَدَى به

ولا هيَ تستوصى الحديثَ المُكتَّما

وَيَحْسَبُ نسْوانٌ لهنَّ وسيلةً

من الحُبّ، لا بَلْ حُبُّها كان أقدما

وعُلّقْتُها وَسْطَ الجواري غَرِيرَةً

وما قُلّدَتْ إلا التّميمَ المنظَّما

الخصائص الفنية في غزل كثير عزة

تظهر الخصائص الفنية في شعر كُثير من خلال النقاط التالية:

الحنين والأطلال

غالبًا ما تناول كُثير مواضيع الحنين إلى الذكريات السعيدة ونعم الحب التي اختبرها مع عزة، حيث كانت المسافة تثير في نفسه مشاعر الاشتياق. ومن غير المتنازع عليه أن الأطلال كانت أكثر ما يرهقه عند غيابها، بتذكيره بكل ما فقده، حيث يقول:

خَليلَيَّ عوجا مِنكُما ساعَةً مَعي

عَلى الرَبعِ نَقضِ حاجَةً وَنُوَدِّعُ

وَلا تَعجَلاني أَن أُلِمَّ بِدمنةٍ

لِعَزَّةَ لاحَت لي بِبَيداءَ بَلقَعِ

وَقولا لِقَلبٍ قَد سَلا راجِعِ الهَوى

وَلِلعَينِ أَذري مِن دُموعِكِ أَو دَعي

التشبيه والمقارنة

تتميز أشعار كُثير بإبراز التشبيهات بين محبوبته والعناصر الطبيعية، ما يعكس اتصاله العميق بالعالم الطبيعي ومنحه أبعادًا إضافية في التعبير. كما أن رائحة محبوبته كانت بمثل جاذبية روائح الزهور، ونظافتها تمنحه إحساسًا بالحياة المتجددة.

ومحبوبته تُشبه السحاب في تجلياتها؛ إذ يأتي ويختفي كظل الطيف، بجانب رموز الطبيعة المستخدمة في وصف حبه، كالشمس والمياه والغزلان، إذ يقول:

وَإِنّي وَتَهيامي بِعَزَّةَ بَعدَما

تَخّلَّيتُ مِمّا بَينَنا وَتَخَلَّتِ

لَكَ المُرتَجي ظِلَّ الغَمَامَةِ كُلَّما

تَبَوَّأَ مِنها لِلمَقيلِ اِضمَحَلَّتِ

كَأَنّي وَإِيّاها سَحابَةُ مُمحِلٍ

رَجاها فَلَمّا جاوزَتهُ اِستَهَلَّتِ

لوم الحبيبة على ما يشعره من ألم

من أبرز سمات الغزل العذري عند كُثير، لومه لمحبوبته على ما يعيشه من معاناة وألم. يشعر بأنها لم تعد تلتزم بالوعود، وتخلف مواعيدها، مما ينعكس في شعوره بالخداع. بعد أن كانت تهتم به، شهد تحولها إلى شخص يتسم باللامبالاة.

التحولات في مشاعر الحب تسببت في معاناته، ولكن مع ذلك، يظل وفاؤه لها في صميم تعبيراته؛ حيث يقول:

رَأَيتُ اِبنَةَ الضَمريِّ عَزّةَ أَصبَحَت

كَمُحتَطبٍ ما يَلقَ بِالَيلِ يَحطِبِ

وَكانَت تُمَنّينا وَتزعُمُ أَنّها

كَبَيضِ الأَنوقِ في الصَفا المُتَنَصِّبِ

رَجَعتُ بِها عَني عَشِيّةَ بِرمَةٍ

شَمَاتَةَ أَعداءٍ ضُهُودٍ وَغُيَّب

الجماليات في شعر كثير عزة

تتأصل جماليات الغزل العذري عند كُثير عزة في وعيه النفسي العميق، حيث يعبر عن حاجة العاشق للتواصل مع محبوبته والارتقاء بمكانته في نظرها. يسعى المحب أيضًا إلى تحريك عاطفة محبوبته بأساليب مبتكرة، لذا فإن التظاهر بالمرض قد يكون وسيلة لتقريب المسافات.

تأثرت عواطفه بشدة بالدين في سياق العصر الأموي الذي تجلى في أشعاره، مما أضاف بعدًا روحيًا في نصوصه، حيث تطغى الألفاظ التي تعكس هذا المعنى؛ إذ يقول:

خَليلَيَّ هَذا رُبعُ عَزَّةَ فَاِعقِلا

قلوصَيكُما ثُمَّ اِبكِيا حَيثُ حَلَّتِ

وَمُسّا تُرابًا كَانَ قَد مَسَّ جِلدَها

وَبيتا وَظِلاَ حَيثُ باتَت وَظَلَّتِ

وَلا تَيأَسا أَن يَمحُوَ اللهُ عَنكُما

ذُنوبًا إِذا صَلَّيتُما حَيثُ صَلَّتِ

Scroll to Top