النظرية الوضعية
تمثل النظرية الوضعية فرعًا من الفلسفة وعلم الاجتماع، حيث تعتمد على تفسير الظواهر اعتمادًا على التجربة العلمية وعلوم الطبيعة، بينما تستبعد أي تفسيرات ميتافيزيقية أو مسبقة. وقد أسس هذه النظرية الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت، الذي ساهم بتطويرها وتوجيهها عبر مراحل متعددة.
أهم الأسس التي بُنيت عليها النظرية
تعتمد النظرية الوضعية وفقًا لأوغست كونت على عدد من الأسس، منها:
- تستند جميع العلوم المستندة إلى الأحداث الواقعية على النتائج الإيجابية الناتجة عن التجارب.
- تنبذ النظرية أي مدخلات تتعلق بالتفاسير الروحية أو الميتافيزيقية.
- تعتبر أن ما وراء الواقع يتشكل من الرياضيات والمنطق البحت فقط.
خصائص النظرية الوضعية
تتميز النظرية الوضعية بالعديد من الخصائص، ومنها:
- تعتبر العلم المصدر الوحيد الموثوق للمعرفة.
- تعتمد أفضل طرق التعلم على التجربة والمراقبة المباشرة.
- المنهجية الفلسفية تتشابه مع المنهج العلمي، حيث ترتبط كل منهما بالآخرى.
- تستخدم الحقيقة كأداة أساسية للمعرفة.
- ترفض النظرية الاستنتاجات المسبقة والتخمينات.
- تسعى لخلق أساس مشترك بين العلوم المختلفة للمساعدة في تفسير وتنظيم السلوك البشري.
النظرية الوضعية وقانون المراحل الثلاث
قام أوغست كونت بتأسيس النظرية الوضعية وفقًا لقانون المراحل الثلاث، والذي ينص على أن الفكر البشري يتطور عبر ثلاث مراحل: الدينية، والميتافيزيقية، والإيجابية (العلمية). حيث يعتبر أن المرحلة الأولى (الدينية) تمثل الأساس للعقل البشري، وأن المرحلة الأخيرة (العلمية) هي الحالة المثلى لهذا العقل. بينما تعتبر المرحلة الثانية (الميتافيزيقية) بمثابة جسر ينقل الفكر من المرحلة الأولى إلى الأخيرة، ويتم توضيح ذلك كما يلي:
- المرحلة الأولى: تمثل الأساس في بحث الإنسان عن أسباب وتفسيرات الأحداث من خلال علاقته بالعالم الروحاني وما وراء الطبيعة.
- المرحلة الثانية: يحدث في هذه المرحلة تحول طفيف، حيث تبقى الأسئلة كما هي، لكن يتم استبدال التفسيرات الروحية بتفسيرات تجريدية.
- المرحلة الثالثة: يركز الفكر البشري على القوانين التي تحكم الأحداث بدلاً من محاولة إيجاد أسبابها، وينتقل من منظور مطلق إلى آخر نسبي، مع الإيمان بأنه لا يمكن الوصول إلى الحقيقة الكاملة، لكنه يقترب منها، وهو ما يعرف بـ”نهج التواصل”، وتعتبر هذه المرحلة الأكثر تميزًا للنظرية الوضعية.
التسلسل الهرمي للعلوم في النظرية الوضعية
حدد الفيلسوف أوغست كونت العلوم الأساسية التي تم استخدامها في تفسير النظرية الوضعية على أنها ستة علوم، ورتبها في تسلسل هرمي يبدأ بالرياضيات، لاعتقاده أن هذا العلم لا يتطلب وجود أي علوم أخرى لتفسيره. وتأتي العلوم الأخرى بعده، حيث يعتمد كل علم على ما قبله، والترتيب هو كما يلي:
- الرياضيات ونظرية الأعداد.
- علم الفلك.
- علم الفيزياء.
- علم الكيمياء.
- علم الأحياء والوظائف الحيوية.
- علم الاجتماع.
لم يكن علم النفس متواجدًا في هذا التسلسل الهرمي نظرًا لعدم وجود هيكل أساسي يفسر هذا العلم في تلك الفترة، ومع ذلك آمن كونت بأن علم النفس سيكون جزءاً من علم الأحياء، وخاصة علم أعصاب الدماغ، بالإضافة إلى كونه مؤسس علم الاجتماع. كما كان كونت يؤكد على ضرورة انتقال العلم من الملاحظة إلى القوانين كما هو الحال في الفيزياء والكيمياء.
أوغست كونت
يعتبر أوغست كونت فيلسوفًا فرنسيًا مؤسسًا لعلم الاجتماع، بالإضافة إلى نظرية الوضعية. تأثر بآراء عدد من الفلاسفة الفرنسيين مثل تورجوت وجوزيف دي مايستر، وظهرت أوجه شبه بين أفكار كونت وأفكار الفيلسوف سان سيمون، رغم وجود خلافات بينهما. وقد قدم مجموعة من المحاضرات الذي تناول فيها الفلسفة الإيجابية عام 1826، لكن انقطع عن ذلك بسبب مشكلات صحية قبل أن يعود في عام 1828، حيث حققت هذه المحاضرات نجاحًا ملحوظًا واستمرت حتى عام 1829-1830. تجدر الإشارة إلى أنه استغرق 12 عامًا في إعداد هذه المحاضرات التي تجمع في ستة مجلدات، وأطلق عليها اسم “الدورات الفلسفية الإيجابية”.